لن ينسى المسلمون موقع ( لَايْفَلِكْ دوت كم ) البريطاني الذي نشر الفيلم المسيء إلى القرآن الكريم ، وإلى من نزل عليه القرآن الكريم ، مساء يوم الخميس الماضي 28 مارج 2008 م ، ولا تتجاوز مدته خمسة عشر دقيقة .
وقد قدم جيت ويلدرز النائب المُشَرِّع في البرلمان الهولندي فيلمَه المسيء إلى القرآن ، وإلى محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى القنوات التلفزيونية الهولندية السبعة الشهيرة ، إلا أنها رفضت عرضه .
فاتجه إلى الانترنت واتفق مع موقع لعرضه ، فبادرت الشركة الأمريكية المقدمة للاستضافة إلى إغلاق الموقع ، فلم يبق خيار أمام جيت ويلدرز لعرض فيلمه إلا موقع حزب الحرية الذي ينتمي إليه ، فنشر فلمه على الموقع ( لايفلك دوت كم ) ، واستمر العرض متاحاً لفترة لم تتجاوز ساعة واحدة ، واضطر الموقع إلى حجبه لأسباب أمنية .
وكان النائب المسلم مغربي الأصل في البرلمان الهولندي قدم دعوى قضائية إلى المحكمة العليا الهولندية لمنع الفيلم ، وكان الناس ينتظرون حكم القضاء ، فإذا لايفلك تبادر إلى بثه ، ثم حجبه ، وقد هددت شركات التصدير الهولندية جيت ويلدرز بالمقاضاة القضائية إذا تأثرت تصديراتها ، كما نفض رئيس الوزراء الهولندي يديه من أي تبعات تترتب على الفيلم أو على صاحبه .
وقد كشفت جريدة تليكراف الهولندية اليومية خبيئة صاحب الفيلم ( الفتنة ) جيت ويلدرز قائلة : إنه زار إسرائيل أربعين مرة خلال بضع سنوات ، وإنه يستقي أوامره من السفارة الإسرائيلية في مدينة هيك الهولندية ، وإن إسرائيل تكفلت بجميع النفقات المالية لإخراج هذا الفيلم ، للتنديد بالإسلام والمسلمين .
والفيلم لم يأت بجديد ، بل هي مَشَاهِدُ مكررة ، لما نُشِر في الصحافة الأوربية من قبل : كعرض صور لهجمات 11 سبتمبر 2001 م ، وتفجيرات قطارات مدريد ، وتفجيرات لندن ، ورجال ملثمين يجري إعدامهم ، وأطفال تغطي الدماء وجوههم ، وامرأة تُرْجَم ، وعملية ختان لامرأة ، وَرَبْطُ كل ذلك بالإرهاب الإسلامي .....
ولعل الأمر الهام في الفيلم ، وهو مبشر خير للدعوة الإسلامية صيحة جيت ويلدرز (أوقفوا الزحف الإسلامي ، ودافعوا عن حرياتكم ) ولهذه الجملة دلالتها ، إذ الإسلام في القارة الأوربية يكتسح الكَثْلَكَة والعَلْمَنَةَ واللِبْرَلَة ، فقد جرب الأوربيون كل هذه المناهج والمعتقدات ، فلم يجدوا فيها راحة الضمير ولا سكون النفس ....
فالقارة متجهة إلى دراسة الإسلام وأحكامه ولاسيما في الجنس اللطيف ، ويشعر اليهود بخيفةٍ من أَسْلَمَةِ أوربا ، وهو خوف له من الدلائل ما يبرره . فإن كان الأوربيون المُخَدَّرُوْن من اليهودية العالمية يبررون الإساءة لمعتقدات غيرهم باسم حرية التعبير، فلماذا شرعوا ويشرعون قوانين تحرم التشكيك في هولوكوست ومجازر هتلر تجاه اليهود ، وهذه القوانين تجيز السجن والغرامة المالية ومصادرة المؤلفات لكل من يجرؤ علي التشكيك فيها ، أليس من حرية التعبير أن يكتب الإنسان عما يكنه في صدره ، فلماذا حوكم المؤرخ البريطاني في النمسا قبل سنتين ، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ، رغم أنه لم ينكر قتل هتلر لليهود ، وإنما شكك في الأعداد التي يقدمها اليهود أمام العالم لاستدرار عطفه ، وأنهم ضحايا هتلر والنازية الهتلرية .
وإن جيت ويلدرز يعيش حالة خوف منذ 2004 م فهو تحت حراسة مشددة مثله مثل سلمان رشدي وتسليمة نسرين الذين تمتنع وسائل النقل العالمية من الطائرات والبواخر والقطارات إركابهم لوجود تهديدات بقتلهم ، إنهم يعيشون في قبور مظلمة قبل تحولهم إلى الحياة البرزخية المظلمة القادمة .
وإن ضعف المسلمين اليوم شبيه بضعف عبد المطلب زعيم قريش ، أمام قوة أبرهة الحبشي ، الذي صادر إبله ، عندما جاء لهدم البيت العتيق ، فذهب الرجل لاسترداد إبله ، فتعجب أبرهة من الطلب ، وقال له جئتُ لهدم البيت ، ألا تكلمني فيه ؟ فقال عبد المطلب قولته الشهيرة ، أنا رب الإبل ، وللبيت رب يحميه ، فالمسلمون أرباب استيراد للجُبْنِ والزبدة والحليب واللحوم المجمدة ..... وإن للقرآن رباً سيحميه ، نعم هو كذلك ، وقد تكفل بحفظه ، دون سائر الكتب الإلهية المنزلة ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )
وإن جيت ويلدرز وأمثاله من اليهود والنصارى أضعف من أن ينالوا من هذا الكتاب ، وسيفشلون كما فشل غيرهم عندما طبع القرآن باسم الفرقان ، ووزعه في العديد من الدول الإسلامية ، بعد أن حذف الآيات التي تلوم اليهود ، وتحث المسلمين على الجهاد في سبيل الله ، وهذا هو بعينه مطلب فيلم الفتنة وسيكون مصيره كمصيره .
إلا أن ذلك لا يعفي المسلمين من مسؤلية الدفاع فرداً وجماعات ودولاً عن مقدساتهم ، وأعظم هذه المقدسات كلام الله ، وقد ولى زمن المعجزات ، فلا بد من وجود حُماة يدافعون عن هذه المقدسات ، ولينضم الحُماة بعضهم إلى بعض ، حتى تكون لهم الشوكة والمنعة ، وتصدق فيهم السنة الكونية الإلهية ، التي عبر عنها أحد الشعراء :
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً وإذا افترقن تكسرت أحاداً
اللهم ارزقنا بصيرة ندافع بها عن دينك ، وقرآنك ، ورسولك ، إنك قادر حكيم .
بقلم د. خادم حسين بخش